كتاب الرائ

الطب بين الذكاء البشري والاصطناعي

د.علي المبروك ابوقرين
قديما مارس التطبيب الكهنة ورجال الدين ، وتطور بفضل الممارسة والتجارب والملاحظة والتدوين والتعليم والتدريب والبحوث العلمية
، والعرب والمسلمين ومن قبلهم المصريين القدماء واليونانيين كان لهم باع طويل في الطب ، ووضعوا له الأسس والقواعد العلمية ولهم الالاف من المخطوطات والكتب والمراجع ، وكان للعرب والمسلمين الفضل الكبير فيما تأسست عليه العلوم الطبية الحديثة ، وأزدهرت العلوم الطبية عند ألعرب والمسلمين عندما كان الغرب يعتبر المرض غضب من الرب ويلقى بالمرضى في إسطبلات الدواب مختلطين أجناس وأعمار وأمراض ، حتى تمت ترجمة المراجع الطبية العربية واهتم الغربيون بالعلوم الطبية ، واستمروا على نهج المدارس الطبية العربية الى ان تحققت لديهم نهضة صحية ، وتراجع العرب كثيرًا فترات الاستعمار والفقر ، وأنعكس على التعليم والصحة ، وليبيا التي عُرفت لآلاف السنين بعشبة السلفيوم الشافية المعجزة والتي نُقِشت على العملة الليبية في زمنها ، مرت بظروف صحية صعبة جدا واجهت الأوبئة والأمراض بالطرق التقليدية ، واختلف التشخيص والأعراض والشكوى وفق ثقافة المجتمع حينها ، مثل اللي جاه جاه ، وكان لا بيه ولا عليه ، وضربه بوجنب ، وعنده العواية أو البوسالم ، أو طيرة الصغار أو الزرزورة ، والنمنم والشقيقة والملصة ، والبطن تجري ، أو ماسكة ( كان كالبلحة الشاحطة ) ، أو مدقدق كلي زي اللي ( بالعاته هايشة وقاذفاته ) ، أو تسطير شاد من قبوعة الرأس وماشي مع سرسوب الظهر للمخروقة ، ولهلوبة نار في فم الكبد ، ولية تقول سكاكين ، ورجلي مفدوعة والصبع مدوحس ويوزوز ، ولكل منها علاجها المعروف بالتجربة ، وأستمر حتى بعد إستجلاب الأطباء والتمريض من الدول العربية والأجنبية ، وأختلطت ثقافة الوافد بالمحلي ، وشيئا فشيئا تغيرت المفاهيم والثقافة الصحية ، وبفضل العلم وتوفير الرعاية الصحية توفرت المعامل الطبية والتصوير بالأشعة وأصبحت ليبيا في وقت قصير سباقة في أقتناء أحدث التقنيات الطبية ، وأول من وفر المناظير الاستكشافية والجراحية ، وكذلك الموجات فوق الصوتية والتصوير المقطعي والرنين المغناطيسي والاشعة التداخلية القلبية والمخية والدائرية المتكاملة داخل غرف العمليات ، والميكروسكوبات والأجهزة الملاحية وتطويل العظام وإصلاح اعوجاجات العمود الفقري ، وكانت ليبيا متقدمة في عمليات القلب المفتوح وزراعة الكلى والقوقعة والقرنية وتصحيح العيوب ، ومن أول الدول في المنطقة في أقتناء الأدوية والمستلزمات الأحدث والانجع من مصادرها العالمية المتقدمة ، والوثائق الطبية تثبت ذلك ، وزاد الوعي الصحي المجتمعي وأصبحت من الدول التي تحقق مؤشرات صحية عالمية وأطباء ذكور وإناث خريجين من معظم جامعات العالم المرموقة ، وتحصلوا على تدريب سريري متقدم ، وإجازات في تخصصات طبية مختلفة ، والكثير منهم عادوا وساهموا في نهضة البلاد طبيًا ، وبعظهم مشهود لهم في العالم يقدمون خدمات طبية من أستراليا إلى كندا وامريكا ومعظم دول اوروبا والخليج ، وبرهن الليبيون أنهم يتمتعوا بذكاء عالي ، واستطاعوا ان ينقلوا المجتمع والبلاد من الأمية إلى العلم ، ومن التخلف الى تقدم الصفوف حين أًتيحت الفرص وأُحسن إستخدام المال العام ، وتوفرت الإدارة الرشيدة ، وبالطبع تغيرت كل المفاهيم السابقة في التشخيص والعلاجات ، وأصبحت تتماشى مع العالم المتقدم طبيًا ، ومع تدهور الإدارة وانتشار الفساد وتضاربت المصالح ، وسلعت الصحة والمرض انقلبت الأمور رأسًا على عقب وأصبح هناك تمريض يحمل مؤهل بلا تعليم ولا تدريب ، وكليات الطب منتشرة كالمدارس بدون مستشفيات تعليمية ، ولا أعضاء تدريس مؤهلين ، ويجاز الطلبة بدون تدريب سريري ، وبديل الجامعات العالمية المتقدمة التي درس بها الليبين سابقا على نفقة الدولة أصبح لزامًا على من أراد التخصص أن يدفع أموال طائلة لجهات مجهولة وغير معترف بها ، وعليهم الذهاب لمدن عربية أنهكتها الحروب الأهلية ، وتأخر فيها الطب قرون للحصول على شهادات التخصص بدون تدريب سريري ، ولا يتم إتاحة الفرص لهم لا في تدريب جيد بمستشفيات محلية جامعية مجهزة بأحدث التقنيات الطبية والمراكز البحثية ، ومدربين تتوفر فيهم المواصفات والمعايير الدولية الخاصة بالتدريب والتدريس لنقل المعلومات والمعارف والتجارب والمهنية والخبرات للأطباء الشبان وتمكينهم من إتقان مهارات التشخيص والعلاج ووضع الخطط والبرامج العلاجية الصحيحة للمرضى ، وبالتالي فقدت البلاد أهم إنجازات حققتها في الماضي من سعة سريرية ومرافق طبية عامة متكاملة ، وتجهيزات حديثة ومتطورة وأدوية ومستلزمات طبية موثوقة وصحيحة ومن مصادرها ، وتحت سيطرة ومسؤولية الدولة واجهزتها المعنية ، وتفتت القطاع الصحي وتحول إلى لا نظام صحي ، وما كان متاح بالمجان للجميع أكثر من ثلاثة عقود مضت أصبح الآن من الندرة والإعجاز يحتفى به وكأننا اخترعنا العجلة ، وتوفير الدواء للمرضى صار تمني وإكراميات وصدقات وانجازات كبيرة كالمعجزات تتحقق بالمن ، والمرضى وذويهم لا مفر لهم إلا الرضوخ لما متاح في فوضى السوق الصحية ( فقر وعجز وقبر ) ..
والعالم من حولنا يشهد تطورًا تكنولوجيًا متسارع يلعب في دورًا اساسي في التغيير لإرساء مبداء الإنصاف في الرعاية الصحية ، والتخفيف عن القوى العاملة الصحية المرهقة ، وكذلك لخفض أو التحكم في التكاليف ، ولهذا بفضل الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي المميكن نشهد ثورة في التشخيص والعلاج عن طريق تحليل البيانات وتقديم رؤى واضحة ومحددة للمعالجين للمساعدة في اتخاذ قرارات مستنيرة ، وكذلك تحليلات تنبؤية تساعد في توقع المشكلات الصحية المحتملة وتجنبها أو التخفيف من حدتها ومعالجتها استباقياً ، وكذلك بالنسبة للرعاية الصحية عن بعد أو الافتراضية حققت توفير الخدمات الصحية للمناطق البعيدة والنائية ، وخدمات المتابعة المنزلية وتوصيل وربط الخدمات الطبية المنقولة والقابلة للارتداء ، وجمع البيانات وتحليلها وجدولة الأدوية وجرعاتها ومواعيدها ، واكتشاف المشكلات الصحية ووضع الخطط العلاجية الصحيحة لها …
وللأسف لا يوجد ترف في الوقت ، والانتظار ليس خيار على الاطلاق لأن العجز الفني التي تواجهه الخدمات الصحية في بلادنا يتسع مما يستوجب الاستثمار في تقنيات الرعاية الصحية بجانب الخبرات البشرية ، وانشاء نظام صحي منصف وفعال مرقمن ومؤثمن وسجلات صحية متكاملة لكل السكان ، وحوكمة صارمة وتطبيق لمعايير الجودة وسلامة المرضى ومكافحة العدوى ، نظام يحقق النتائج المرجوة للمرضى ورفاه ورضا لمقدمي الخدمات الصحية ..
وهذا يتطلب الاهتمام بتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من الطفولة ، وإعادة النظر كليًا في التعليم الطبي والتدريب السريري ، وإعادة تقييم وتأهيل جميع الكوادر الطبية والتمريضية والفنية والإدارية بما يمكنهم من القيام بدورهم وفق المواصفات والشروط والمعايير المطلوبة عالميا ، ومع العلم أن العالم يعاني من نقص حاد في القوى العاملة الصحية ، وتزداد الفجوة مع التطور التقني والتكنولوجي ، وليبيا بإمكانها ان تحقق تنمية بشرية حقيقية في القطاع الصحي إذا تأسست جامعات حقيقية وكليات للطبيات بإمكانيات كبيرة وحديثة ، ونظام صحي يحقق التغطية الصحية الشاملة بإنصاف وجودة عالية..
الذكاء الاصطناعي بالذكاء البشري .

منشور له صلة

التمريض في عيده

التمريض في عيدهللتمريض دور عظيم في تاريخ البشرية ، وأقدم من الطب ، وكان يقوم…

15 ساعة منذ

وزارة الصناعة والمعادن تناقش التحضيرات النهائية لعقد المؤتمر الدولي الأول للصناعة والتكنولوجيا……

إستعداداً لعقد المؤتمر الدولي الأول للصناعة والتكنولوجيا، والذي تنظمه وتشرف عليه وزارة الصناعة والمعادن، تحت…

4 أيام منذ

الهيئة العامة للمعلومات تبحث مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا آلية إعداد التقرير الوطني السابع للتنمية البشرية

• طرابلس، 12 مايو 2024 ميلادية. بحث رئيس الهيئة العامة للمعلومات المهندس عبد الباسط سالم…

4 أيام منذ

الاتحاد العام لطلبة يدعو لحراك طلابي مناصرةً لغزة

أصدر الإتحاد العام لطلبة ليبيا بيانًا موجهاً للشباب الليبي عامة والطلاب خاصة دعى من خلاله…

4 أيام منذ

مخيم ريادي يواصل تدريبات وورش ريادة الأعمال للشباب لليوم الرابع على التوالي.

إبتكار المشروع يعتمد على مصادر وأسس مهمة تجعل منه مشروعاً رائداً و متميزًا في مجاله،…

4 أيام منذ

بيروت: مشاركة ليبية بورشة عمل “تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الخدمات القضائية والقانونية”.

بدعوة من المركز العربي للبحوث القضائية والقانونية التابع لجامعة الدول العربية وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية…

7 أيام منذ