د.علي المبروك أبوقرين

منذ أن وُجد الإنسان على وجه الأرض ، كانت الصحة هبة الوجود الأولى ، وهي النور الذي يشع من الجسد حين تتناغم الروح والنفس معه في انسجام وسلام ، وهي الفطرة التي خُلق عليها الإنسان ، نقية ومتوازنة ، تعرف كيف تحفظ ذاتها وتستقيم بلا أمر ولا إكراه ، والصحة ليست ما يفعله الطبيب بعد المرض ، بل ما يفعله الإنسان قبل أن يمرض ، وإنها فن العيش السليم ، ووعي يسبق الألم ، ومسؤولية تنبع من داخل النفس لا تُفرض من الخارج ، الصحة قبل الطب لأنها الوقاية التي تحفظ ، وليس الدواء الذي يُصلح ، وهي النظام الذي يمنع الانهيار ، لا الإسعاف الذي يُداوي بعد السقوط ، وحين تكون المزارع نظيفة ، والمياه نقية ، والمنازل لائقة ومريحة ، والمدارس سليمة ، والمجتمعات متكاتفة ، يصبح الطب مكملا وليس بديلاً ، وتغدو المستشفيات رموزا للعلم لا ملاجئ للأوجاع ، والصحة قبل الطب لأن الطبيب لا يستطيع أن يُصلح ما أفسدته العادات الخاطئة والبيئات الملوثة والمجتمعات اللامبالية ، فالدواء لا يُعالج ما تُدمره يد الإنسان في طعامه ومائه وهوائه ، ولا يُنقذ من أسرف في جسده ، وتراخى في وقايته ، وأهمل بيئته ، ونسي فطرته التي وُلد عليها ، الصحة قبل الطب لأن الجسد يملك حكمة فطرية مذهلة في الإصلاح الذاتي ، يحتاج فقط إلى بيئة آمنة ، وغذاء سليم ، وراحة كافية ، وطمأنينة تُعيد توازن النفس ، والمناعة ليست في العقاقير ، بل في السلوك ، وفي النظام ، وفي صفاء القلب وفي السلام النفسي الذي يُعيد للجسد طاقته ، إن الطب العظيم هو الذي يُكرم الصحة ، لا الذي يُنافسها ، وهو الذي يوجه الإنسان نحو وعيه الطبيعي ، ويذكره أن الوقاية جزء من الأخلاق ، وأن النظافة والاعتدال والرحمة ليست تعليمات ، بل قيم فطرية أصيلة ، الصحة قبل الطب لأن الكرامة الإنسانية لا تُصان إلا بجسد سليم ونفس مطمئنة وبيئة عادلة ، والصحة ليست رفاهية ، بل حق مقدس ، ومؤشر حضارة ، ومقياس عدالة ، وحين تتراجع الصحة ، يتراجع كل شيء التعليم والإنتاج والإبداع والعطاء ، الصحة قبل الطب لأن الطب يأتي متأخراً حين تكون الوقاية قد فشلت ، وحين يسقط الإنسان من ميزان التوازن الذي أرادته له الطبيعة ، لكن المجتمعات الواعية هي التي تمنع المرض قبل أن يولد ، وتزرع الوعي في الأسر وفي المدارس ، وتربط السلوك بالمسؤولية ، وتبني المدن على أسس بيئية وصحية تحفظ للإنسان كرامته وهو يعيش قبل أن يحتاج إلى من يُعالجه ، وحين تكون الصحة منهجا ، يغدو الطبيب شريك الوعي لا حارس الجسد ، وتتحول العيادات إلى مدارس للوقاية ، والمستشفيات إلى مراكز للبحث والتعليم ، ويُصبح المجتمع كله نظاما صحيا حيا ، ينبض بالقيم والوعي والعطاء ، الصحة قبل الطب لأنها الحياة ذاتها ، وهي الوجه الأول للكرامة ، وصوت الفطرة ، ونبض العدالة ، هي أول وأقدس ما يجب أن يُحافظ عليه في الإنسان .

ومن ضيع صحته ، فقد ضيع نعمة الحياة ..

منشور له صلة

مشاركة ليبية بالمؤتمر العالمي الرابع عشر للرابطة الدولية لقضاة اللاجئين والهجرة في نيروبي

شهدت العاصمة الكينية نيروبي، خلال الفترة من 17 إلى 22 نوفمبر 2025، انعقاد المؤتمر العالمي…

4 أسابيع منذ

الرؤية الصحية الطويلة الأمد

د.علي المبروك أبوقرين هناك لحظة حرجة في تاريخ الأمم تتوقف فيها عقارب الساعة على سؤال…

4 أسابيع منذ

الصحة التعليمية

هناك لحظة خفية تبدأ فيها الحكاية ، لحظة لا يسمعها أحد ، حين تنبض خلية…

4 أسابيع منذ

الدور السيادي والنهضوي للقطاع الصحي

إن القطاع الصحي العام ليس مجرد مؤسسات تقدم العلاج أو تُدار بالموازنات السنوية ، بل…

شهر واحد منذ

المؤشرات الصحية

د.علي المبروك أبوقرينإن الأوطان لا تقاس بارتفاع مبانيها ولا بحجم موازناتها ولا بعدد قراراتها ،…

شهر واحد منذ

لماذا إسطنبول؟

جلال عثمان قد يتساءل البعض عن سبب اختيار مكان خارج ليبيا لانعقاد هذا الاجتماع التأسيسي…

شهر واحد منذ