هناك لحظة حرجة في تاريخ الأمم تتوقف فيها عقارب الساعة على سؤال واحد إلى متى نعيش داخل الدوامة نفسها؟ دوامة المرض والهشاشة والتردد والارتجال والفجوات والانهيارات الصغيرة التي تتجمع وتصنع انهيارا كبيرا ، وفي تلك اللحظة ، إما أن تتقدم الأمة خطوة خارج الزمن المتآكل ، أو تظل تحيا في تكرار متشابه يستهلك ما تبقى من قدرتها على الحياة ، إن الصحة بحد ذاتها ليست خدمة ولا مستشفى ولا أطباء يُستدعون عند الألم ، بل هي منظومة وجود وهي الوجه الذي تُرى من خلاله قيمة الإنسان ، وكرامة المجتمع ، وقوة الدولة ، ونضج السياسات ، ومن دون رؤية طويلة الأمد ، تصبح الصحة حركة بلا اتجاه ، وبوصلة بلا شمال ، وسباقا ينطلق من نقطة خاطئة ، ولهذا الرؤية الصحية طويلة الأمد توثق قرارا جمعيا بأن المستقبل يجب أن يبدأ الآن وليس لاحقا ، لأننا في عالم لا ينتظر أحدا ، والأمراض تتحرك بسرعة ، والتكنولوجيا تقفز قفزات متعددة كل عام ، والبيئة تتغير ، والفيروسات تتبدل وتتحور ، والشعوب تتنقل ، والاقتصاديات تعيد تشكيل نفسها ، والحكومات تعيد تعريف معنى الصحة ، وفي هذا العالم السريع ، الدول التي لا تملك رؤية مكتوبة وواضحة وطويلة الأمد ، تتحول تلقائيا إلى ضحية التغيير ، والتغيير لا يرحم ، ولا يمنح إلا خيارين أن تكون جزءاً من صناعته ، أو أن تكون واحداً ممن يسقطون تحت عجلاته ، وضعفنا الصحي ليس قضاءً ولا قدرا ، ولا طبيعة جغرافية ، بل نتيجة استمرار طويل في الاعتماد على الاستجابة بدل الاستباق ، وعلى اللحظة بدل الأفق ، وعلى رد الفعل بدل المبادرة ، والبنية الصحية حين تكون بلا رؤية تصبح مثل بيت بلا أساس ، والرؤية ليست وصفا للواقع بل انشقاقا منه ، وهي الوثيقة التي تقول نحن لا نعيش ما نحن عليه بل ما نستطيع أن نكون ، والرؤية الصحية الطويلة الأمد يجب أن تسبق الاحتياجات قبل أن تظهر ، وتتوقع المخاطر قبل أن تنفجر ، وتخطط للبنية قبل أن تتعطل ، وتستعد للأزمات قبل أن تعصف ، وتؤسس للعدالة قبل أن ينعدم التوازن ، وتلحق بركب العالم قبل أن يتقدم أكثر ، وتسبقهم عند الإمكان فلا نبقى لاحقين إلى الأبد ، إن التخلف الصحي ليس مجرد تأخر تقني ، إنه فوات تاريخي ، والهدر الصحي ليس انفاقا ماليا سيئا ، إنه استنزاف لإمكانيات أجيال ، والمرض ليس معاناة فردية ، إنه علامة على هشاشة الدولة نفسها ، ولذا فالرؤية الصحية ليست رفاها سياسيا ، بل ملف طوارئ للدولة كلها ، والرؤية الصحية الطويلة تبني نظام صحي يُولد من المستقبل ، والذي يحتاجه الواقع الليبي ، وليس نظام يُعاد ترميمه ، ولا تحسينه ، ولا ترقيعه ، بل نظام يُبنى من الصفر ولكن بأدوات المستقبل وليس الماضي ، نظام صحي يرتكز على الوقاية قبل العلاج ، والاستباق قبل الاستجابة ، والذكاء الاصطناعي قبل الورقيات ، والتحليل التنبؤي قبل الزحمة في الطوارئ ، والرقمنة الشاملة قبل الفوضى ، والصحة كحق قبل أن تكون خدمة ، والتخطيط الطويل قبل الموازنات السنوية ، والكوادر المؤهلة قبل المباني الضخمة ، وهذا هو جوهر الرؤية الطويلة الأمد أن تجعل الغد مركز البناء وليس اليوم ، والسؤال هنا من أين نبدأ؟ والإجابة من أقرب نقطة إلى المستقبل ، الإنسان قبل التقنية وقبل المال والبنى وقبل الإصلاحات ، إن النقطة الجوهرية التي لا يُبنى بدونها أي نظام صحي هي الإنسان القادر والعارف والمدرب والملتزم الذي يؤمن أن صحته جزء من مصير مجتمعه ، والرؤية الطويلة الأمد تعيد تعريف دور الفرد أنه ليس مريضا ينتظر العلاج ، بل شريكا يملك بياناته الصحية ، ويعرف مخاطره ويمنع الأمراض قبل حدوثها ، ويشارك في الصحة عبر سلوكه ، وتعريف دور العامل الصحي أنه ليس فنيا ، بل مؤسسة معرفية متنقلة من الطبيب إلى الممرض إلى الفني إلى الإداري الكل يتحول إلى عقل تقني سريري تحليلي قادر على فهم الصحة الجديدة ، ودور الدولة انها ليست ممولا للخدمات فقط ، بل راعية للعدالة الصحية ومديرة للمخاطر ، وضامنة لحق الحياة ، وإذا غابت الرؤية ، تصبح الدولة في مواجهة التدهور الصحي المزمن ، والفجوات تزداد اتساع يصعب تضييقها ، وتنعدم الاستجابة ، وإهدار أكثر للموارد ، والعجز الكامل عن التحكم في الأوبئة ، وهجرة الكفاءات إلى الخاص أو الخارج، ، وتسليع الصحة ، واقتلاع ثقة الناس ، واستمرار المرض كزائر دائم ومقيم ويتكاثر وينتشر ، وغياب الرؤية يعني استسلاما للفوضى الصحية ، ويعني أننا نعيش في نظام يطفئ الحرائق وقد لا يستطيع ، بدل أن يمنع نشوبها ، ويعني أننا نتحرك دائما خلف الحدث وليس قبله ، إن الرؤية الطويلة ليست مجرد مخرج إنها المانع الأول للسقوط ، والفجوة بيننا وبين العالم ليست قدرا بل نتيجة ، الدول المتقدمة لم تتفوق لأنها أغنى فقط ، بل لأنها خططت لعقود واستشرفت المخاطر ، وبنت أنظمة تحفظ الإنسان ولم تنتظر الكارثة ، ولم تسمح للمرض أن يعيد تشكيل المجتمع ، ولم ترى الصحة كرفاهية بل كركيزة قوة ، ولأننا لم نفعل هذا اتسعت الفجوة ، لكن الفرق بين الفجوة واليأس هو الرؤية ، وإن وجود رؤية طويلة الأمد يعني أنك تستطيع أن تلحق ، وغيابها يعني أنك ستتأخر أكثر مهما حاولت ، والرؤية ليست حلما بل أداة تغيير ، وأداة سياسية واقتصادية وإدارية وعلمية لتحريك دولة بأكملها نحو مسار مختلف ، الرؤية الصحية الطويلة الأمد تربط السياسات ببعضها ، وتضع أهدافا قابلة للتحقيق ، وتصنع مراحل انتقالية تجعل التمويل مرتبطا بالنتائج ، وتمنع الفوضى ، وتجعل النظام يتعلم من نفسه ، وتخلق سلسلة قرارات لا تنقطع ، والرؤية هي سلاح الدولة ضد الزمن ، والرؤية تتحول إلى قفزات حقيقية من خلال توحيد كامل للنظام الصحي ، وبناء سجل صحي رقمي وطني ، وتأسيس مركز بيانات صحية ووبائية ، وتحويل الرعاية الأولية إلى عمود الفلسفة الصحية ، والانتقال من المستشفيات إلى الشبكات الصحية المتصلة ، وتوطين القوى العاملة وتنميتها ، وتكامل بين الصحة والتعليم والبيئة والاقتصاد ، وحوكمة قوية تمنع الفساد والهدر ، وخطة عشرينية واضحة وثابتة وغير متذبذبة ، هذه القفزات لا تحتاج عقود طويلة ، تحتاج فقط وضوح وإرادة وعدم ارتجال ، وشجاعة لأنها تعترف بالضعف دون أن تستسلم له ، وتعترف بالواقع دون أن تتكيف معه ، وتعترف بالفجوات دون أن تقبلها كواقع دائم ، والرؤية الصحية الطويلة الأمد تقول نحن نستطيع أن نكون دولة لا يخيفها المرض ، ولا تهزمها الأزمات ، ولا تتأخر عن العالم بل تُعيد تعريف موقعها فيه ، وهذه ليست مثالية إنما واقعية جريئة ، ورؤية بلا جرأة خريطة على ورق ، الرؤية الصحية الطويلة الأمد ليست وثيقة ، ولا برنامج ، ولا مشروع ، هي قرار حضاري بأن صحة الإنسان هي مركز الدولة ، ومركز التنمية ، ومركز المستقبل ، وهي إعلان بأننا لن نبقى في الظل الصحي للعالم ، بل سنقف في الضوء ، وأن التخلف الصحي ليس مصيرا ، والهشاشة ليست طبيعة ، والانهيار المزمن ليس قدرا ، بل مرحلة يجب كسرها برؤية تُبنى على العلم وتسير نحو المستقبل ، وتقود أمة كاملة إلى مكانٍ جديد ..
تحتاج فقط وضوح وإرادة وعدم ارتجال ، وشجاعة لأنها تعترف بالضعف دون أن تستسلم له ، وتعترف بالواقع دون أن تتكيف معه ، وتعترف بالفجوات دون أن تقبلها كواقع دائم ، والرؤية الصحية الطويلة الأمد تقول نحن نستطيع أن نكون دولة لا يخيفها المرض ، ولا تهزمها الأزمات ، ولا تتأخر عن العالم بل تُعيد تعريف موقعها فيه ، وهذه ليست مثالية إنما واقعية جريئة ، ورؤية بلا جرأة خريطة على ورق ، الرؤية الصحية الطويلة الأمد ليست وثيقة ، ولا برنامج ، ولا مشروع ، هي قرار حضاري بأن صحة الإنسان هي مركز الدولة ، ومركز التنمية ، ومركز المستقبل ، وهي إعلان بأننا لن نبقى في الظل الصحي للعالم ، بل سنقف في الضوء ، وأن التخلف الصحي ليس مصيرا ، والهشاشة ليست طبيعة ، والانهيار المزمن ليس قدرا ، بل مرحلة يجب كسرها برؤية تُبنى على العلم وتسير نحو المستقبل ، وتقود أمة كاملة إلى مكانٍ جديد ..
شهدت العاصمة الكينية نيروبي، خلال الفترة من 17 إلى 22 نوفمبر 2025، انعقاد المؤتمر العالمي…
إن القطاع الصحي العام ليس مجرد مؤسسات تقدم العلاج أو تُدار بالموازنات السنوية ، بل…
د.علي المبروك أبوقرينإن الأوطان لا تقاس بارتفاع مبانيها ولا بحجم موازناتها ولا بعدد قراراتها ،…
جلال عثمان قد يتساءل البعض عن سبب اختيار مكان خارج ليبيا لانعقاد هذا الاجتماع التأسيسي…
د.علي المبروك أبوقرين منذ أن وُجد الإنسان على وجه الأرض ، كانت الصحة هبة الوجود…