د.علي المبروك أبوقرين
الثقافة الصحية هي أساس وركيزة للبناء المعرفي للمجتمع ، والذي تستند إليه كل أشكال التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية ، وفي مجتمعاتنا الصحة جزء أساسي من الوعي الجمعي المهمش والمرتبك والغائب في المجمل ، والمجتمع الذي لا يملك وعي صحي لا يستطيع الاستدامة في التعليم والاقتصاد والتنمية ، ومن البديهي أن الجسد المنهك والنفسية المتعبة والعقل المريض لا يبدع ولا ينتج ، والبيئة الملوثة لا تنتج إنسان سوي ، والمجتمعات التي تعاني من تحديات في التنمية والوعي تكون الثقافة الصحية المدخل الأهم لتكوين الإنسان الواعي والمنتج والفاعل في محيطه ، والثقافة الصحية جزء هام من البيئة الحضارية للمجتمعات ، ولا تنفصل عن الحق في المعرفة والعدالة والكرامة ، وتشمل علاقة الإنسان بجسده ونفسيته وبيئته ومجتمعه ، والنظرة للحياة والموت وللوقاية والعلاج وللعلم والخرافة ،
والثقافة الصحية تتخطى دور الأطباء والحملات الطبية والقطاع الصحي ، فهي مسؤولية جماعية ( الفرد والبيت والمدرسة والعمل وكل القطاعات دون استثناء وجميع السياسات العامة ) ، وفي ظل تزايد الأمراض والاوبئة وتفاقم الضغوط النفسية والاجتماعية ، وتزايد عبء تكاليف العلاج في ظل التطورات التقنية والتكنولوجية الطبية ، والتحولات الرقمية ، أصبح من المهم والعاجل إعادة النظر في مفاهيم الصحة والتحول من النموذج العلاجي إلى النموذج الوقائي ، وتبني الثقافة الصحية بوصفها مشروع لبناء الإنسان الواعي القادر على حماية صحته وتعزيزها ، ولأجل مجتمع واع وصحي ومتكافل تتجذر فيه الثقافة الصحية كجزء من الهوية الوطنية والممارسة ، لهذا من الضرورة العمل على برنامج وطني للثقافة الصحية المتكاملة والمستدامة ، يستند إلى العلم ويخاطب الواقع الاجتماعي ، ويعزز الوعي الصحي لكافة فئات المجتمع ، ويحول المعرفة الصحية لسلوك حياتي ، ويرسخ الشراكة المجتمعية في حماية الصحة العامة ، ويقوم بإدماج الثقافة الصحية ضمن السياسات العامة ، ويرفع من كفاءة الأفراد والمؤسسات في التعامل الواعي مع القضايا الصحية ، ويكافح المعلومات المظللة والخرافات المتعلقة بالصحة ، ويعمل على تطوير المناهج التعليمية بمفاهيم صحية معاصرة ، وتصميم برامج تدريبية للمعلمين حول دمج الثقافة الصحية في المواد التعليمية ، وحملات مستمرة للتخلص من الوصمة للأمراض النفسية ، ودعم خدمات الارشاد النفسي ، وتعزيز المهارات الحياتية لمواجهة الضغوط والاجهاد ، والبرنامج يحتاج للتوعية الجماهيرية من خلال إعلام مسؤول ينتج محتوى إعلامي مرئي ومسموع ومكتوب بلغة مبسطة ومؤثرة ، ويخصص لذلك مساحات كبيرة في الوسائط الإعلامية المختلفة ، مع دعم المؤثرين الرقميين في نشر محتوى صحي علمي ، يساعد في ذلك المشاركة الشعبية بالمبادرات المجتمعية المختلفة في مجال الثقافة الصحية ، وهذا يحتاج لمراكز ثقافية صحية مجتمعية تكون من ضمن مراكز الصحة الواحدة الشاملة والمتكاملة ، ومراكز رصد مؤشرات الوعي الصحي ، وموسوحات دورية لقياس مستويات الوعي الصحي والسلوكيات المرتبطة به ، مع بحوث ودراسات تقيم أثر البرامج التوعوية لتحقيق مؤشرات نجاح البرنامج ومنها إرتفاع نسب الوعي بالأمراض وادراج الثقافة الصحية ضمن المناهج التعليمية ، وانخفاض السلوكيات الصحية السلبية ، ولهذا يتطلب الشراكة المتماسكة بين الصحة والتعليم والإعلام والشؤون الاجتماعية والبيئة والمنظمات الأهلية المعتمدة والمنوطة ، والقطاع الخاص ،
إن الصحة حق إنساني تكفله التشريعات والقوانين ، والوعي شرط للوقاية ، والوقاية تنبع من الفهم ..
الصحة حق والوعي مسؤولية ..

منشور له صلة

مشاركة ليبية بالمؤتمر العالمي الرابع عشر للرابطة الدولية لقضاة اللاجئين والهجرة في نيروبي

شهدت العاصمة الكينية نيروبي، خلال الفترة من 17 إلى 22 نوفمبر 2025، انعقاد المؤتمر العالمي…

4 أسابيع منذ

الرؤية الصحية الطويلة الأمد

د.علي المبروك أبوقرين هناك لحظة حرجة في تاريخ الأمم تتوقف فيها عقارب الساعة على سؤال…

4 أسابيع منذ

الصحة التعليمية

هناك لحظة خفية تبدأ فيها الحكاية ، لحظة لا يسمعها أحد ، حين تنبض خلية…

شهر واحد منذ

الدور السيادي والنهضوي للقطاع الصحي

إن القطاع الصحي العام ليس مجرد مؤسسات تقدم العلاج أو تُدار بالموازنات السنوية ، بل…

شهر واحد منذ

المؤشرات الصحية

د.علي المبروك أبوقرينإن الأوطان لا تقاس بارتفاع مبانيها ولا بحجم موازناتها ولا بعدد قراراتها ،…

شهر واحد منذ

لماذا إسطنبول؟

جلال عثمان قد يتساءل البعض عن سبب اختيار مكان خارج ليبيا لانعقاد هذا الاجتماع التأسيسي…

شهر واحد منذ