د.علي المبروك أبوقرين
ليبيا من أول الدول العربية والأفريقية التي اسست نظام صحي مؤسسي وبنيوي وفعال ببنية تحتية صحية متكاملة ، وإدارة مهنية لكل المؤسسات الصحية ، واستعانت ببعض الخبرات الاجنبية في الإدارة والتشغيل ، والكوادر الطبية المؤهلة التي غطت كل مستويات النظام الصحي ، وتحولت الخدمات الصحية من شبه معدومة إلى تغطية صحية متكاملة وشاملة ومجانية وعالية الجودة لليبين والمقيمين ، وما آلت اليه الأمور من تردي للخدمات الصحية يعود للفوضى المؤسسية ، وتفتيت النظام الصحي وخلق اجسام موازية ، وعدم وجود تصنيف للخدمات الصحية الأساسية والتخصصية والمرجعية ، وغياب التصنيف الدقيق للمؤسسات الاستشفائية ، مع عدم وجود هياكل تنظيمية واضحة لكل مؤسسة ، وصاحب ذلك فوضى في الملاكات الوظيفية والتعيين العشوائي أو المجاملة أو المحاصصة وبالمخالفة ، وغياب التوصيف الوظيفي الدقيق لكل وظيفة صحية وإدارية وفنية تحدد المهام بالتفصيل ، والمؤهل وسنوات الخبرة ، والتدريب المطلوب ، مع غياب السياسات المحددة لإدارة المؤسسات الصحية ، وعدم وجود اليات لقياس الاداء والمخرجات الصحية والإدارية ، وعدم وجود معايير معتمدة لجودة الخدمات الصحية وسلامة المرضى ومكافحة العدوى ، وغياب التقييم الذاتي المؤسسي والمراجعة والتدقيق الداخلي والخارجي ، وانعدام التقارير الدورية التي تقيم عمل الافراد والأقسام والإدارات واللجان ، وعدم ربط تصنيف المؤسسات الصحية بتصنيف التأهيل التعليمي والمهني للاطباء والتمريض والفنيين وحزمة الخدمات وطبيعة العمل ، مع عدم وجود نظام معلومات صحي متكامل ومؤشرات اداء لكل فرد وقسم وادارة ، كل ذلك وغيره من العوار المؤسسي والبنيوي الذي يعاني منه النظام الصحي الليبي انعكس على التمويل وعدم ربطه بالتصنيفات والتخصصات والخدمات والمخرجات ، وزاده عوار عدم فصل التمويل عن تقديم الخدمات ، مع ضعف آليات الشراء وتوفير الاحتياجات ومتطلبات التشغيل والتجهيزات والصيانة والتطوير والطوارئ ، وغياب تام عن التخطيط المؤسسي الذي يساعد على تحديد الاحتياجات الفعلية والتنبؤ بالمستقبلية ليجعل التوزيع في الخدمات أكثر عدالة وإنصاف بين المناطق ، وحيث لا تُفتح مؤسسة صحية جديدة الا اذا كان هناك استعداد لتغطيتها بالكوادر المؤهلة والتجهيزات الطبية اللازمة ولها احتياج فعلي لخدمة السكان ، ولا يتم إجراء أي تعديل أو ترفيع أو تغيير في طبيعة عمل أي مؤسسة صحية الا بناء على دراسات علمية وميدانية وتخطيط متكامل ، والذي للاسف الشديد لم يتم العمل به وانعكس على اتخاذ القرارات والإجراءات العشوائية التي ادت الى ترفيع مرافق صحية على الورق مما زاد من تعقيد الأمور وتكدس العمالة وهدر الأموال ، وساهم عدم رقمنة النظام الصحي وعدم وجود السجلات الطبية الإلكترونية ، وعدم الربط المؤسسي والتقني والفني بين المؤسسات الصحية ، والذي ادى الى عدم وجود نظام الاحالة بين المستويات الخدمية الصحية ، وعدم وجود مستشفيات تعليمية معتمدة وتفي بالشروط المطلوبة للتعليم الطبي والتدريب السريري والارتباط الاكاديمي الرسمي مع كليات الطب والتمريض والعلوم الصحية والبرامج التدريبية المستمرة تحت الإشراف الأكاديمي المتفرغ والذي زاد من تأزم وتعقيد الاوضاع الصحية بالبلاد ، ولهذا الحاجة ماسة وملحة لإجراء إصلاح صحي جذري وشامل ، وإعادة بناء هيكلي ومؤسسي وبنيوي للقطاع الصحي ، يؤسس لنظام صحي وطني قوي ومتكامل ومتماسك وفعال ومنصف ، ببنية تحتية صحية مترابطة وفق تصنيفات علمية ومستويات خدمية محددة ومعايير عالمية ، وإدارات متخصصة عالية الكفاءة والخبرة والقدرة ، تجمع بين الخبرة الطبية والمعرفة الإدارية ، وفصل التمويل عن تقديم الخدمات وربط التمويل بالاداء ، مع الحوكمة الرشيدة والشفافية والرقابة الذاتية والخارجية ومكافحة الفساد ، وسياسات وإجراءات صارمة للفصل بين العام والخاص ، وعدم تحويل المؤسسات الصحية العامة او جزء منها أو وظيفة فيها الى تقديم خدمات لحساب القطاع الخاص أو بمقابل نفعي أو ربحي ، ومنع إزدواجية العمل وتضارب المصالح ، مع ضرورة العمل بالعقود المجزية والمرنة والحوافز للحد من هجرة الكوادر للخاص والخارج ، ومؤامة التعليم الطبي مع الاحتياجات الفعلية والواقعية للنظام الصحي ، وضرورة الغاء كل الاجسام والهياكل والمؤسسات الصحية الموازية ودمجها في سياق النظام الصحي الموحد ، وتدبير التمويل اللازم لتغطية خدمات صحية متقدمة وعالية الجودة ببنية تحتية صحية متكاملة حديثة ومتطورة ، وكفاءات طبية مؤهلة ومتخصصة ، وتمريض حقيقي ومتخصص وعالي الكفاءة والتدريب والتأهيل ، وكذلك الفنيين والإداريين والخدمات المصاحبة ، لتحقيق الخدمات الصحية الفردية والواحدة والعاجلة والمستمرة والمرقمنة والمجانية بحوكمة وعدالة وكرامة وإنسانية .
إن أردنا أستعادة ثقة المواطن فعلينا أولا أن نعيد الانضباط والعدالة الى مؤسساتنا الصحية .
إن تدمير القطاع الصحي العام جريمة تجعل الأمة فريسة للأمراض والعجز والفقر والموت المبكر ، وتسليع الصحة متاجرة في صحة وحياة الناس.
إن غابت الصحة غاب كل شئ ، وما أوتي الناس بعد اليقين خيرًا من العافية .
شهدت العاصمة الكينية نيروبي، خلال الفترة من 17 إلى 22 نوفمبر 2025، انعقاد المؤتمر العالمي…
د.علي المبروك أبوقرين هناك لحظة حرجة في تاريخ الأمم تتوقف فيها عقارب الساعة على سؤال…
إن القطاع الصحي العام ليس مجرد مؤسسات تقدم العلاج أو تُدار بالموازنات السنوية ، بل…
د.علي المبروك أبوقرينإن الأوطان لا تقاس بارتفاع مبانيها ولا بحجم موازناتها ولا بعدد قراراتها ،…
جلال عثمان قد يتساءل البعض عن سبب اختيار مكان خارج ليبيا لانعقاد هذا الاجتماع التأسيسي…