كتاب الرائ

الجوع والصحة


الجوع وسوء التغذية هم نتيجة معقدة لتداخل عدة عوامل ، منها الفقر وهو السبب الأساسي للجوع ، والبطالة وهي فقدان القدرة الشرائية للأغذية الصحية ، وكذلك التغييرات المناخية والجفاف والفياضانات والزلازل الحرائق التي تقضي على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمحاصيل ، ومن أسباب المجاعة الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تتعرض لها بعض المجتمعات ، والتي تؤدي إلى نقص الإمدادات الغذائية وارتفاع الأسعار ، وكذلك الحروب والصراعات تؤدي إلى تدمير البنية التحتية ، وإلى النزوح الجماعي ، ومنع وصول المساعدات الغذائية ، والجوع وسوء التغذية من أخطر التحديات التي تهدد صحة وحياة الإنسان وإن النقص الحاد في الغذاء الصحي الكافي والمغذي يؤدي إلى تفشي الأمراض الخطيرة ، وله أثار نفسية واجتماعية سيئة ، ويهدد استقرار المجتمعات ، ويسبب في إرتفاع كبير في معدلات انتشار الأمراض المزمنة وفي الوفيات ، وبالضرورة يؤدي إلى تراجع أو توقف التنمية البشرية ، الأمم لا تبنى بالجوع ، والمعروف ان من الأمراض التي يسببها الجوع وسوء التغذية الهزال وفقدان الوزن المرضي ، وفقدان الطاقة ، وفقر الدم ، والتقزم وتأخر النمو البدني والعقلي عند الأطفال ، ونقص حاد في الفيتامينات والمعادن الضرورية ، وضعف المناعة التي تؤدي إلى زيادة خطر العدوى والاصابة بالأمراض المعدية والخطيرة ، والجوع وسوء التغذية سبب في الكثير من الأمراض المزمنة وتفاقمها ، وللأسف الجوع وسوء التغذية الذي تعاني منه المجتمعات الواحدة يؤثر على القوى العاملة الصحية بها ، ويؤثر سلبا على الطاقة البدنية والذهنية للعاملين الصحيين ، ويقلل من الكفاءة والقدرة والفاعلية في تقديم الرعاية الصحية ، مع القلق والخوف والرعب الذي ينتابهم في حالات نشوب الحروب والصراعات ، وكل هذه العوامل تفقد الكوادر قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة والعاجلة ، مما ينعكس ذلك على سلامة المرضى وجودة الخدمات الصحية المقدمة ، سوء التغذية لا يضعف الجسد فقط بل يقيد الفكر ويقتل الطموح ، والتغذية الصحية السليمة والمتوازنة مهمة للتعافي بعد العمليات الجراحية ، أو من الأمراض المزمنة ، ومهمة لزيادة فعالية الأدوية ، وتقلل من المضاعفات ، وبدونها لا يكتمل العلاج ولن يكون فعال ، الغذاء هو العلاج الأول ، والمجاعات عاشتها البشرية لعقود وقرون طويلة ، وتأثرت بها أمم وحضارات وممالك وشعوب ودول كثيرة ، وتكررت في أوروبا بسبب الحروب الطويلة ، والجوائح ( الطاعون الأسود مثلا ) ، وفساد المحاصيل ، وعانت بعض الدول العربية من مجاعات وأزمات غذائية حادة واقتصادية قاسية ، وشهدت ليبيا مجاعة كارثية لا تنسى بين عامي 1943 و 1945 عقب نهاية الاحتلال الإيطالي وغياب السلطة المركزية مع بداية الإدارة العسكرية البريطانية ، مع شح الأمطار والجفاف ، ومع انعدام سلاسل الإمداد الغذائي ، وغياب المساعدات في ظل الأوضاع العالمية بعد الحرب ، وللأسف فقدت ليبيا الالاف من ابنائها وخصوصًا الأطفال والحوامل وكبار السن نتيجة المجاعة ، وهاجرت العديد من العائلات من الريف للمدن الساحلية وللدول المجاورة هربا من الجوع ، ولخطورة الجوع وسوء التغذية على صحة وحياة الانسان ضرورة تبني سياسات شاملة وطويلة المدى ترتكز على الحماية والعدالة الاجتماعية ، وعلى التنمية المستدامة ، ودعم برامج التحويلات النقدية والغذائية للأسر الفقيرة ، وضمان الحد الأدنى للدخول والمعاشات ، ودعم المزارعين المحليين بالتمويل والإرشاد والتزويد بالتقنيات الزراعية الحديثة ، وتطوير البنية التحتية الزراعية وسلاسل الإمداد الغذائي ، ووضع سياسات وتدابير لمواجهة أثار التغييرات المناخية ، وتوفير الرعاية الصحية الأولية ، والتغذية العلاجية ، وضرورة دمج التغذية في السياسات الصحية والتعليمية ، وتعليم أهمية التغذية الصحية بكل المراحل التعليمية ، ومن الأهمية القصوى توفير وجبات غذائية مدرسية ، والتوعية الغذائية المجتمعية ، والتركيز على الأغذية الصحية والتحذير من الأغذية الضارة ، والانماط الغذائية السيئة ، وعلى الجميع العمل على إيقاف الحروب ، وحل النزاعات ، ورفع الحصار الذي يعيق دخول ووصول الغذاء والدواء لمستحقيه ، ودعم الدول والمجتمعات منخفضة الدخل .
لا صحة بدون تغذية ولا تنمية بدون أمن غذائي ..
الغذاء شريان حياة
د.علي المبروك أبوقرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى