كتاب الرائ

الغذاء داء ودواء

    د.علي المبروك ابوقرين

عشنا فترات عصيبة في أزمان الجفاف وشح الغذاء ، وأُطلق على فترة منه عام الشر ( الجوع ) وزمن الجرامات أي حصة بسيطة توزن بالجرامات للسلع الأساسية ، وأُصيب الكثير بأمراض سوء التغذية ، وفي ستينات القرن الماضي دعمت اليونيسيف وبعض المنظمات الدولية المدارس بالوجبات المدرسية اليومية ، ونهاية الأسبوع بعض الأغذية المفيدة كالتمور والفول السوداني ( الكاكوية) والحليب ، وفي مواسم الأمطار  مواسم الحرث وزراعة المحاصيل ، والساحل يعتمد على الري بالغمر وإنما  المناطق الداخلية معظمها يعتمد على الزراعات البعلية ، وتعتمد على الأسمدة العضوية والمواشي بالمراعي ، وأستعمل الليبين الكثير من النباتات الطبيعية مثل القازول والكرات والبليبشة والحميضة والجعضيض والعسلوز والقعمول والفقاع والترفاس والنبق ، وأهتموا  بزراعة النخيل والتين بنوعيه والخروب ، والمستعمرات الزراعية الايطالية توسعت في زراعة الزيتون والعنب واللوز والموالح ، بعضها زراعات مروية وبعضها بعلية ، وكان الفلاح الليبي خبير ومتمكن وعلاقته بالأرض  قوية ، وحريص على العناية بالأرض والزراعة ، وكنا نأكل من الأرض ولا ضرر لانها غير ملوثة ، وكل الفلاحين لديهم بدورهم المحلية الخاصة ويحتفظوا بها بطرق سليمة في كل المواسم ، ولديهم طرق صحية صحيحة لتخزين المحاصيل منها الطمر ومنها في بيوت وأواني خاصة معدة لذلك ، ولا يصلها التعفن والتسوس أو الفساد ، ويتعاملون مع التربة بطرق سليمة تضمن خلوها من الآفات ولذلك كانت الخضروات والفواكه والحبوب صحية سليمة لا تسبب أي ضرر بالصحة العامة ، وللأسف بعد ذلك دخلت البلاد طرق وأفكار مستوردة لزيادة الإنتاج الزراعي والحيواني بإستخدام البيوت البلاستيكية والزراعات المحمية والبدور المستوردة والمحسنة ، واستخدام مبيدات الحشرات ومبيدات الأعشاب ، والأسمدة الكيميائية ، وهكذا كان مع الثروة الحيوانيه التي خضعت للتهجين والأعلاف الصناعية ، والأدوية المناعية والهرمونية بدون ضوابط أو معايير ، والثروة السمكية التي تعيش في بحر ملوث مما أنعكس  على جودة وآمان معظم الزراعات المحلية والثروة السمكية والحيوانيه التي تتعرض دومًا للأمراض المعدية الخطيرة ، والسلسلة الغذائية مرتبطة ببعضها بين الأرض والنبات والحيوان والإنسان ، ولهذا أصبح الغذاء الغير صحي وغير آمن خطر على الصحة العامة ، ويسبب أمراض كثيرة من الاسهال والتسمم للسرطانات والأمراض المناعية والنفسية ، ويسبب الوفيات لمئات الآلاف سنويا في العالم ، ومعظم الأمراض أسبابها الغذاء الغير صحي ، لأحتوائه على البكتريا والفيروسات والطفيليات والمواد الكيميائية والمعادن الثقيلة وملوثات بيولوجية مختلفة ، نتيجة تلوث التربة والمياه والهواء ، الناجم عن المخلفات والمبيدات والأسمدة الملوثة والمجاري والنفايات ، ومنها الملوثات الثابتة والمتراكمة بيولوجيا ، وكلها تشكل خطورة على الصحة ، ويزيد عن ذلك انتقال الأغذية  عبر الحدود والمنافذ والإعتماد شبه كلي على الأستيراد من بلدان مختلفة وبيئات مختلفة ، وطالت معظمها يد التغيير تحت بنود التحسين الجيني والوراثي والأغذية المصنعة ، واختفاء كليًا للأغذية الطبيعية العضوية السليمة ، ومع الظروف التي تمر بها البلاد سَهُل تسرب العديد من الأغذية الضارة ، وأصبحت الأغذية المحلية والمستوردة تشكل خطرا على الإنسان إن لم تكون خاضعة للشروط والمقاييس والمعايير ، والغذاء  يمر بسلسلة طويلة من زراعة وجمع وتحصيل وفرز وتخزين ونقل وتوزيع وبيع وعرض وتداول وتصنيع ، ولكل منها شروطه الصارمة إن خالفها ساءت السلعة وفسدت ، وتحولت من المنفعة للضرر ، وكذلك المستورد منها له شروطًا صارمة محددة لكل صنف ومحتواه والتعامل معه ، وأي مخالفة لذلك يصبح من الأغذية المضرة جدا ، ويزيد عنها التلاعب في الصلاحيات ، والغش والتقليد وإعادة التغليف والتدليس وتهريب السلع الغذائية الغير صالحة للاستهلاك الادمي ، وجميعها قد تخضع لسوء التخزين والتداول والإعداد والطهي والتقديم وأي ملوث يلامس الغذاء يجعله ضار بالصحة ..

لذلك نحتاج لوقفة جادة من مؤسسات الدولة لمتابعة لصيقة ومشددة لكل الزراعات المحلية ، ومراقبة مراحلها من نوع البدور والتربة والمياه والأسمدة والمبيدات والعاملين فيها والجني والتوزيع والنقل والبيع إلى  أن تصل للمستهلك النهائي ، وكذلك رقابة صارمة لمنافذ البيع والمطاعم والمقاهي والمطاحن والمخابز والمجازر والمخازن والحضائر والأسواق ، والرقابة على كل الأغذية والمشروبات المستوردة الجاهزة منها او المكونات للتصنيع المحلي ، ودعم الجهات الرقابية بالعناصر المؤهلة بأعداد كبيرة وإمكانيات متطورة ، ومعامل حديثة ومتقدمة ، ويجب أن تصدر عنهم نشرات يومية عن كل ما هو متوفر من السلع الغذائية وسلامتها ، والتنبيه عن أي مخاطر أو مخالفات ، وعلى القطاعات ومنها الصحة والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والبيئية والاقتصاد وغيرها أن تكثف الإجراءات لحماية المستهلك والحفاظ على الصحة العامة للأمة ، مع ضرورة تكثيف برامج التوعية لكل الناس ، والتوجيه للزراعات العضوية والابتعاد عن الأغذية المصنعة والمهدرجة والمضاف إليها المحسنات والتي طرأ عليها تغييرات وتعديلات وراثية ، والعودة للطبيعة والأكل المنزلي ، والابتعاد عن استعمالات مواد التغليف والتخزين من البلاستيك والمواد التي تحتوي على أي نوع من الملوثات ، وأتباع الطرق الصحية السليمة في أعداد وطهي وتحضير الطعام ، ونرجو من الجهات المعنية تكثيف الرقابة على ما يعرض على وسائل الإعلام المختلفة من ترويج للأغذية الضارة بالصحة وبرامج الغذاء والطبخ وغيرها المخالفة للأنظمة الغذائية الصحية ، وضرورة ترسيخ ثقافة الغذاء الصحي ..

في الغذاء السيء أمراضنا وبالغذاء الصحي السليم دوائنا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى